كيف صنعتني القراءة: رحلة طفلة مع الكتب

 

كيف صنعتني القراءة رحلة طفلة مع الكتب

كيف صنعتني القراءة: رحلة طفلة مع الكتب

هل أحب القراءة؟ و لماذا؟ ما الشيء الذي تضيفه لي الكتب؟ لماذا طال تجوالي في غايات هاته الدنيا و لم أجد نفسي إلا بين صفحات مدونة البلبل للمعرفة، أنا و كتبي؟

حين أتذكر بداياتي مع المطالعة ترتسم على شفتي ابتسامة، فالقراءة بالنسبة لي الآن ليست شغفا لمن يبحثون عن شغفهم ولا يزال تائها منهم، القراءة بالنسبة لي هوية وهواء أحسه ينضب من حولي اذا ابتعدت عنها. 

كيف أحببت القراءة ولماذا؟ هل صحيح أن الكتب تغير معالمنا من الداخل والخارج؟ لماذا أريدك أن تقرأ؟ وهل من الممكن أن تكون القراءة إضافة حقيقية في حياتك؟  

سأبحر في زوايا نفسي لأجيب عن هذه الأسئلة، فتفضل معي.

        

كيف بدأت رحلتي مع القراءة منذ الطفولة

تعلمت الحروف مبكرا، وأتقنت القراءة قبل دخول المدرسة. في سن الخامسة عثرت على قصة لا أذكر عنوانها، لكني أتذكر جيدا فرحتي بها. جمعت إخوتي وكنت أنا أصغرهم آنذاك لأقرأها عليهم. 


كيف صنعتني القراءة رحلة طفلة مع الكتب

كانت القصة تروي حكاية أم وابنتها فقدا معيلهما الوحيد "رب الأسرة"، فبقيتا جائعتين ضائعتين في هذا العالم القاسي. لكن قسوة العالم لم تغير من معدنهما النفيس، فقد كانتا تساعدان كل من تستطيعان مساعدته. يوما ما، على ما أذكر، وجدت الطفلة شيخا في حالة صعبة فأخذته إلى البيت، فرحبت به أمها و قدما له ما لديهما من طعام و شراب، على قلته، بإحسان و إيثار. حين تحسن ذاك الشيخ عاد من حيث أتى، لكنه قبل خروجه ترك لهما كنزا من الذهب. 

أتذكر جيدا آخر كلمة في القصة "إنه كان ملكا"، وانتهت القصة وبدأ معها شغفي بالقراءة. 

أذكر فيما بعد عندما كبرت قليلا حملت أختي الكبيرة القصة، وأعادت قراءتها، وحين وصلت إلى الجملة الأخيرة جاءتني وهي تصرخ في وجهي قائلة: كيف قرأتِها هكذا، لقد غيَرتِ كل المعنى. كانت الجملة الأخيرة: "إنه كان ملاكا". منذ ذلك اليوم أدركت دقة اللغة العربية، وكيف أن حرفا واحدا غير المعنى كله، وقررت أن أتقن اللغة وأعطيها حقها بقدر جمالها وعطائها. 

أذكر جيدا أنني جمعت كل قصص المكتبة الخضراء كنت أبحث عنها عند زميلاتي وأبدلها لهن بغيرها إن لم يقبلوا بيعها لي. 

كانت تلك المكتبة أول مكتبة أشكلها بأبسط القصص، و على بساطة الطفلة التي في داخلي كانت بساطة مكتبي الأولى. 

كيف غيّرتني الكتب وشكلت شخصيتي

ما بين الانطواء والمهارات الاجتماعية هناك كتاب، ما بين الغضب والحلم هناك كتاب، ما بين السذاجة والفطنة هناك كتاب. القراءة تأخذك من مكان إلى نظيره و أحيانا دون أن تشعر. 

لقد كنت طفلة منطوية للغاية، لا أتعامل مع أحد، لكني كبرت وأنا اجتماعية وأتقبل كل الناس. كيف كان هذا؟ بالمطالعة. كان كل كتاب أحمله بين يدي يجعلني أبحر إلى عوالم أخرى تغيرني إلى الأفضل. كنت أقرأ لمن أتفق معهم ومن لا أتفق معهم. كنت أبحث عن الآراء وأريد أن أفهم أصحابها لأننا خلقنا مختلفين ولن نتفق أبدا. القراءة تجعلك ترى نفسك في مرآة مصقولة وترى الآخرين كذلك. 

علمتني القراءة أن العلم صيد والكتابة قيد. أذكر أول مرة ذكِرت فيها هذه العبارة أمامي، طلبت من معلمي أن يشرحها لي، فقال بأننا نصطاد المعلومة ونربطها بالكتابة حتى لا تهرب. ومنذ ذلك اليوم صار لي مجموعات من الكراريس، أربط فيها صيدي لكي لا يهرب. وبخيال تلك الطفلة التي كانت ترى ذلك الحبل دائما بين يديها تربط به غنيمتها حتى لا تهرب، قيدت قراءاتي وبقيت قراءاتي كلما أردتها وجدتها. 

دونت الأمثال العربية، ودونت الفقرات و الاقتباسات التي أعجبتني من الكتب التي كنت أتحصل عليها بكل وسيلة متاحة. شاركت في مسابقة مدرسية ذات مرة، و كان من بين الجوائز التي تحصلت عليها  كتاب أخلاقنا الاجتماعية لـمصطفى السباعي.كان من بين الكتب التي زكتني، فقد كنت كل شهر أعيد قراءته لكي أغير أخلاقي للأحسن. وبالفعل تشربت ما فيه وتربيت على صفحاته، كل هذا وأنا لا أزال طفلة.

لقد شكلت القراءة هويتي، فقد كانت رفيقتي وصديقتي التي لا أبدلها بأحد. 


كيف صنعتني القراءة رحلة طفلة مع الكتب

لماذا أحب القراءة 

أنا أرى بأن القراءة كانت معلمي الأوفى على اختلاف الزمان. 

أحبها لأنها أول كلمة نزلت على خاتم الأنبياء والمرسلين عليه الصلاة والسلام. 

في البداية كانت فطرة في داخلي لا أرى أوراقا إلا وأركض نحوها، ثم تطورت هذه المحبة بتطور أفكاري فلو سألتني عن أهم كلمة في الحياة لقلت لك دونما تفكير "اقرأ". فلطالما اقتنعت بأن بناء أمتي وصلاحها بهذه الكلمة أولا، فهي اللبنة الأولى لكل بناء. 

القراءة بسم الله هي قراءة في كل شيء خلقه الله، وكلما زاد علمك زادت خشيتك {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} صدق الله العظيم. 

أحب القراءة لأني عندما أغوص في الكتب أعيش معها وكأنها نزهة للروح، آخذ من رحيقها متنقلة من زهرة إلى زهرة، وتبقى الكتب أجمل الزهور. 

أحب القراءة لأنها كما قلت سابقا قد شكلت هويتي التي أعتز بها، فأنا صنيعتها وهي صانعتي. 

أحب القراءة لأنها تحسسني بإنسانيتي وتزكي الإنسان في داخلي. فمن لا يقرأ لا يرتقي. 

لماذا أريدك أن تقرأ

الكتب تغيرك للأحسن، توسع مداركك، تجعلك ترى العالم واسعا، تربت على كتفك إن حزنت، تدفعك إلى الأمام إن نويت وتمد يد العون لك إن تعثرت. 

الكتب أرواح مجندة تماما مثل أرواحنا، تجعلك تجلس معها في صفاء. وكم نحن في أمس الحاجة إلى صفاء الذهن في زمن الإشعارات التي لا تهدأ. 

الكتاب الجيد يجيب عن كل أسئلتك، و أجمل ما في هذا الزمن أن ملايين الكتب متاحة لك، لا تحتاج أن تلقَن المعلومة من شخص اختارها لك على مقاسهِ. اختر أنت المعرفة التي تريدها، وانفتح على كل الأفكار فقِلتها تجعلك تتزمت وسعتها تجعلك أفقا لا ينضب. 

الخاتمة 

يعد تفاقم الأمية في بلد ما معيارا من معايير التخلف، وإحصاءات الكتب التي يقرأها كل شعب تدل على حضارته وتقدمه. وجل الناجحين من القراء النهمين. ومع كل هذا نرى بأننا كعرب نقرأ بدافع التحصيل الدراسي، فإن تحررنا من مدرجات الجامعة نسينا كيف يُفتح الكتاب. 

وهنا يطرح السؤال نفسه: هل يُعقل أن يَدرس الإنسان ثلث عمره لكي ينتهي به المطاف وهو لم يقرأ أي كتاب إلا ما فُرض عليه أثناء تحصيله الدراسي. أتمنى أن يجيب كل واحد منا نفسه بنفسه..ثم كم من العناوين التي أردت قراءتها، لكن لم يحن الوقت بعد!!!

- في الختام، وأنت، ما هي أجمل تجربة عاشتها نفسك مع كتاب؟ شاركني في التعليقات.


         😃 إذا أعجبك هذا الملخص لاتنسى الاطلاع على ملخص كتاب Hear Yourself مترجم، كتاب أنصت إلى نفسك: كيف تجد السلام في عالم صاخب لبريم راوات
تعليقات